هاشم الأتاسي

 ترافق عهد الأتاسي الأخير مع صعود نجم جمال عبد الناصر في مصر، الذي لم يكن على علاقة جيدة مع نظيره السوري. كان الأتاسي ينظر إلى عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار على أنهم “مراهقون” في السياسة، لا خبرة لهم ولا حكمة، وقد رفض أن تكون لهم اليد العُليا في رسم سياسات الوطن العربي وفرض إرادتهم ومشيئتهم على سورية. وقد ظهر الخلاف بينهم منذ أن أعطى الأتاسي اللجوء السياسي لبعض كوادر الإخوان المسلمين في مصر، المُلاحقين أمنيّاً بعد محاولة اغتيال عبد الناصر في مدينة الإسكندرية في تشرين الأول 1954. رد عبد الناصر بسحب السفير المصري من دمشق وشنّ حملة إعلامية واسعة على حكّام سورية عبر جريدة الأهرام وإذاعة صوت العرب. 
في هذا المقال

 

*ميثاق: بورتريه

هاشم بن خليل الأتاسي (11 كانون الثاني 1873 – 6 كانون الأول 1960)، زعيم الحركة الوطنية وأحد الآباء المؤسسين للدولة السورية الحديثة، انتُخب رئيساً للجمهورية مرتين ولُقّب بأبي الدستور لدوره في صياغة دستور سورية الأول سنة 1920 ودستورها الثاني عام 1928. تقلّد أرفع المناصب السياسية في حياته فكان رئيساً للمؤتمر السوري الأول  سنة 1919 ثمّ رئيساً للحكومة السورية سنة 1920. أسس الكتلة الوطنية سنة 1927 وقاد مفاوضات الاستقلال الأولى مع فرنسا عام 1936. كانت رئاسته الأولى في السنوات 1936-1939 والثانية من عام 1949 ولغاية عام 1951. استقال من المنصب إثر انقلاب أديب الشيشكلي وعاد إلى الرئاسة سنة 1954 لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية حتى أيلول 1955.

البداية

ولِد هاشم الأتاسي في مدينة حمص وسط البلاد وهو سليل أسرة سياسية كبيرة من العُلماء والقضاة. كان جدّه الشّيخ محمّد الأتاسي مُفتياً على حمص وكذلك والده الشّيخ خالد الأتاسي الذي انتُخب عضواً في مجلس المبعوثان في إسطنبول سنة 1877. دَرَس هاشم الأتاسي في مدارس حمص الحكومية وفي الكليّة الإسلامية ببيروت ثم أكمل تحصيله العلمي في المدرسة الملكية العُليا في إسطنبول، وعند تخرّجه عُيّن معاوناً لوالي بيروت سنة 1894.

الوظائف الإدارية في العهد العثماني

من بيروت انتقل هاشم الأتاسي إلى قضاء المرقب (بانياس) قبل تسلّمه قائمقامية قضاء صهيون (الحفة) حتى نقله إلى صفد سنة 1902 ثمّ إلى صور وجبل عامل. وفي عام 1904 عُيّن قائمقام السلط ووكيل مُتصرّف الكرك حتى سنة 1907، عند تسلّمه قائمقامية قضاء جبلة في الساحل السوري.

وفي صيف العام 1908 وقع انقلاب عسكري في إسطنبول، أطاح بحكم السلطان عبد الحميد الثاني ومعه معظم الموظفين العرب في الدولة، المحسوبين على العهد الحميدي. ولكن قرارات العزل لم تشمل هاشم الأتاسي، نظراً لسمعته الحسنة وبعده عن السياسة والجمعيات السرية المناهضة للدولة العثمانية. وفي عهد السلطان محمد رشاد الخامس، عُيّن قائمقام قضاء عجلون ثم بعلبك الهرمل، ثم يافا سنة 1912. بعدها بعام عُيّن هاشم الأتاسي برتبة مُتصرّف على مدينتي حمص وحماة، ثم على عكا. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى سنة 1914 نُقل حاكماً على جنوب الأناضول ثم على مدينة بوردور في الأناضول الغربي، حيث بقي حتى نهاية الحرب سنة 1918.

رئيساً للمؤتمر السوري العام 1919-1920

لم يُشارك هاشم الأتاسي في الثورة العربية الكبرى التي انطلقت ضد العثمانيين من الصحراء العربية سنة 1916، ولكنه كان مُتعاطفاً معها ومُقرباً من قائدها العام الشريف حسين بن عليّ، أمير مكة المكرمة. وعند انتصار الثورة وسقوط الحكم العثماني في دمشق نهاية شهر أيلول من العام 1918، عاد الأتاسي إلى مسقط رأسه في حمص وبايع الأمير فيصل حاكماً عربيّاً على سورية. قرر الأخير تعيينه مُتصرّفاً على مدينة حمص من تشرين الأول 1918 وحتى آذار 1919، قبل أن يستقيل لكي يتمكن من المشاركة في الانتخابات النيابي التي دعا إليها الأمير فيصل، لإنشاء أول سلطة تشريعية عرفتها البلاد السورية، عُرفت باسم المؤتمر السوري العام.

انتُخب الأتاسي نائباً عن حمص وفي 3 حزيران 1919 رئيساً للمؤتمر السوري العام، حيث أشرف على افتتاح أعمال السلطة التشريعية في جلسة تاريخية عُقدت داخل مبنى النادي العربي وسط مدينة دمشق. أولى مهام الرئيس الجديد كانت استقبال لجنة كينغ كراين الأمريكية التي جاءت إلى سورية بطلب من الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون لمعرفة مدى تقبل الشعب السوري لفكرة الانتداب الفرنسي، الذي كان من المفترض وضعه قيد التنفيذ وفقاً  لاتفاقية سايكس بيكو المبرمة سنة 1916 بين الحكومتين الفرنسية والبريطانية. ترأس الأتاسي الجانب السوري في أثناء المفاوضات مع اللجنة الأمريكية وأصدر بياناً باسم الشعب السوري رفض فيه الانتداب الفرنسي وطالب باحترام وحدة الأراضي السورية واستقلالها التام.

وفي 8 آذار 1920 أشرف الأتاسي على مراسيم تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية، التي جرت في مبنى بلدية دمشق وسط ساحة المرجة. وانتخب بعدها الأتاسي رئيساً للجنة صياغة الدستور السوري الأول، أو دستور سورية الملكي الذي اعترف بمُلك فيصل وأولاده من بعده على أراضي المملكة السورية. ولكنه أصر أن يكون فيصل الأول ملكاً دستورياً محدود الصلاحيات، يتوجب عليه العودة إلى مجلس النواب في اتخاذ أي قرار مصيري بخص البلاد، مثل السلم والحرب.

رئيساً للحكومة سنة 1920

الأتاسي
هاشم الأتاسي رئيساً للمؤتمر السوري العام سنة 1919.

احتجت الدول العظمى على قرار تتويج فيصل وعدَّته تحدّياً سافراً لفرنسا وخرقاً لاتفاقية سايكس بيكو. وعند تزايد الكلام عن قرب مواجهة عسكرية مع الفرنسيين، دعاه الملك لتشكيل حكومة مواجهة في 5 أيار 1920، تكون مهمتها التفاوض مع الفرنسيين على حل سلمي للأزمة، أو ردّ العدوان في حال حصوله. وفي 14 تموز 1920، وصل إنذار شديد اللهجة إلى دمشق من المفوض السامي الفرنسي هنري غورو، يطالب فيه بحلّ الجيش السوري وجمع السلاح تمهيداً لفرض الانتداب الفرنسي على سورية، مع تسليم عدد من المرافق الحيوية إلى القوات الفرنسية المرابطة في سهل البقاع، مثل سكة حديد رياق-حلب.

اقترح الأتاسي رفض الإنذار، لما فيه من شروط مجحفة بحق الشعب السوري، ولكن الملك فيصل كان له رأي مُختلف، فقد قبل به وأبرق إلى غورو بالموافقة. ولكنّ الأخير رأى أن برقية الملك جاءت متأخرة، أي بعد المهلة المحددة للرد من قبل الجيش الفرنسي، وأمر ببدء الزحف نحو مدينة دمشق واحتلالها بالكامل.

نهاية العهد الفيصلي

حصلت المواجهة العسكرية في معركة ميسلون يوم 24 تموز 1920 وهُزم على أثرها  الجيش السوري، واستشهد يوسف العظمة، وزير الحربية في حكومة الأتاسي. خرج هاشم الأتاسي من دمشق إلى قرية الكسوة مع الملك فيصل، دعماً ومؤازرة بعد الهزيمة، ولكنه فضّل عدم مغادرة سورية كما فعل فيصل، وقرر الاعتكاف في منزله بحمص. أما الملك فيصل فقد توجه إلى أوروبا مع عدد من مستشاريه للاحتجاج على الطريقة المهينة التي أُقصي فيها عن عرش سورية، وقد نجحت مساعيه وعاد إلى المنطقة بعد سنة واحدة فقط، ملكاً على العراق بدعم بريطاني. وكان آخر قرار أصدره فيصل قبل مغادرته الأراضي السورية في 1 آب 1920 هو إقالة حكومة الأتاسي وتعيين علاء الدين الدروبي رئيساً للوزراء.

في زمن الثورة السورية الكبرى

اعتزل هاشم الأتاسي العمل السياسي يوم احتلال دمشق ولم يُشارك في الثورة السورية الكبرى عند انطلاقها سنة 1925، ولكنه أيدها ضمناً كما فعل مع الثورة العربية الكبرى ودفع بشقيقه خليل للمشاركة بها، مع عدد من رجالات آل الأتاسي.  وقد أمرت سلطة الانتداب الفرنسي باعتقاله ونقله إلى سجن أرواد، وهي المرة الأولى والأخيرة التي دخل فيها هاشم الأتاسي السجن.

تأسيس الكتلة الوطنية

بعد قمع الثورة السورية الكبرى واعتقال معظم قادتها أو نفيهم، قرر هاشم الأتاسي العودة إلى العمل الوطني عبر تنظيم سياسي جديد يهدف إلى لمّ الشمل وتوحيد الكلمة في وجه الفرنسيين. وفي 23 تشرين الأول 1927 عقد اجتماعاً في بيروت مع مجموعة من الوطنيين، أعلنوا فيه عن ولادة الكتلة الوطنية لمحاربة الانتداب، تلاه اجتماع كبير في دار الأتاسي  بحمص يومي 3-4 تشرين الثاني 1932، جرى فيه إقرار دستور الكتلة الوطنية وانتخابه رئيساً لها مدى الحياة.

قادة الكتلة الوطنية سنة 1932.

سعت الكتلة إلى مقارعة الفرنسيين سياسياً وليس عسكرياً، في اعتراف ضمني من قادتها بفشل المقاومة المسلّحة التي رافقت ثورة عام 1925. وقد طالب الأتاسي باسم الكتلة الوطنية برفع الأحكام العرفية واحترام حرية الصحافة وإصدار عفو عام عن كافة المعتقلين والمنفيين لأسباب سياسية. وكان له رأي تبناه الجميع بالأكثرية، عن ضرورة محاربة الانتداب عبر المؤسسات الديمقراطية نفسها التي كانت فرنسا قد أدخلتها إلى الحياة السياسية في سورية منذ سنة 1920. قرروا المشاركة في جميع الانتخابات المُقبلة للوصول إلى الحكم بشكل ديمقراطي وقانوني، بما عُرف بسياسة “التعاون المُشرف” مع سلطة الانتداب.

دستور عام 1928

وفي نيسان 1928، خاضت الكتلة الوطنية أولى معاركها السياسية عند الدعوة لانتخاب جمعية تأسيسية وكتابة دستور جديد للبلاد، بدلاً من الدستور الملكي الذي كان الأتاسي قد وضعه قبل سنوات، والذي لم ير النور بسبب فرض الانتداب عام 1920. خاضت الكتلة الوطنية تلك الانتخابات وفازت بغالبية مقاعد الجمعية التأسيسية، وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجنة الدستور، يعاونه اثنان من أعضاء الكتلة الحقوقيين، وهما فوزي الغزي وفائز الخوري.

أنجز الأتاسي ورفاقه دستور سورية الجديد في فترة قياسية لم تتجاوز مدتها الأسبوعين، ووضعوا دستوراً عصرياً مُستلهماً من الدساتير الأوروبية. ولكن هذا الدستور لم يُعجب السلطات الفرنسية بسبب خلوّه الكامل من أية إشارة إلى نظام الانتداب. كما أنه أعطى بموجب المادة 74 رئيس الجمهورية السورية “المُنتخب” بدلاً من المندوب السامي الفرنسي حق إعلان الحرب والسلم وتوقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وجاء في المادة 110 من الدستور حق سورية في إنشاء جيش وطني بدلاً من الجيش الفيصلي الذي سُحِق وحُلَّ بعد معركة ميسلون. وأخيراً اعترضت فرنسا على المادة الثانية من مسودة الدستور التي نصّت على أن سورية الطبيعية المساحة القانونية للدولة السورية الوليدة، في نسف كامل لحدود سايكس بيكو.

وفي 11 آب 1928 جرى التصويت على مسودة الدستور داخل الجمعية التأسيسية، وقرر النواب تبنيه بالإجماع. ولكنّ الفرنسيين أصروا على موقفهم وأضافوا مادة حَمَلت الرقم 116، فيها ذكر صريح لنظام الانتداب. قام الأتاسي برفضها، ما استدعى قراراً فرنسياً بتعطيل أعمال الجمعية التأسيسية وحلّها نهائياً ابتداء في 5 شباط 1929.

انتخابات الرئاسة عام 1932

مساعدات

  • في سنة 1932 خاضت الكتلة الوطنية ثاني معاركها السياسية عبر الترشح للانتخابات النيابية، ولكنها خسرت كل مقاعدها في الشمال السوري لصالح القائمة المدعومة من قبل الفرنسيين، والتي كان يرأسها صبحي بركات، نائب مدينة أنطاكية. فاز الأتاسي بمقعده المعتاد عن حمص ووصل عدد نواب الكتلة إلى سبعة عشر نائباً، أي أنهم لم يحققوا الأكثرية النيابية المطلوبة للسيطرة على المجلس. وعند عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، قاموا بترشيح الأتاسي ضد صبحي بركات والمرشح المستقل محمد علي العابد. خاض الأتاسي الجلسة الأولى من الانتخابات وقرر الانسحاب في الجلسة الثانية، نظراً لضعف تمثيل كتلته في حلب، وأعطى أصوات كتلته للعابد لقطع الطريق على فوز صبحي بركات بالرئاسة. وبناء على هذه المناورة السياسية، فاز محمد علي العابد برئاسة الجمهورية في 11 حزيران 1932.

الإضراب الستيني سنة 1936

في تشرين الثاني 1935 توفي زعيم الكتلة إبراهيم هنانو في حلب وخرج رفاقه في جنازته، يتقدمهم هاشم الأتاسي، رافعين شعارات منددة بفرنسا.  حدثت صدامات دامية يومها بينهم وبين عناصر جيش الشرق الفرنسي، أدّت إلى اعتقال عدد كبير من أنصار الأتاسي في كل من حلب وحمص وحماة.  تكررت المواجهات في الداخل السوري والشمال، وتحوّلت إلى إضراب عام، أعلنت عنه  الكتلة الوطنية بعد اعتقال نائب دمشق فخري البارودي في 21 كانون الثاني 1936. بدأ الإضراب في دمشق وحلب وامتد حتى دير الزور والبوكمال، وقد دام ستين يوماً تُوّج فيها هاشم الأتاسي زعيماً على الشارع السوري بكل شرائحه وأطيافه، مع رفع شعار “الدين لله والطاعة للكتلة الوطنية.

أُجبرت فرنسا على الدخول بمفاوضات مباشرة مع الأتاسي، جرت في مقر المفوضية الفرنسية العليا في بيروت بحضور رئيس الحكومة عطا الأيوبي. اتفق الطرفان على وقف الإضراب مقابل الإفراج عن عن المعتقلين السياسيين كافة، وفي مقدمتهم فخري البارودي، مع دعوة وفد من الكتلة الوطنية إلى باريس للتفاوض على مستقبل سورية.

هاشم الأتاسي وعطا الأيوبي عند الإعلان عن انتهاء الإضراب الستيني سنة 1936.

نَزَلَ هاشم الأتاسي إلى سوق الحميدية بدمشق حيث وُضِع شريط أخضر على مدخله، قام بقصه مُعلناً إنهاء الإضراب الستيني. وفي 3 آذار 1936 سافر إلى باريس على رأس وفد رفيع من قادة الكتلة الوطنية، مؤلف من فارس الخوري وسعد الله الجابري وجميل مردم بك. وفي أشهر غيابه عن دمشق، قام الأتاسي بتكليف شكري القوتلي برئاسة الكتلة الوطنية بالوكالة.

معاهدة عام 1936

مكث الأتاسي وصحبه في فرنسا مدة ستة أشهر، قاموا فيها بمفاوضة حكومة إدوار دلادييه أولاً ثمّ خليفته الاشتراكي ليون بلوم. حاول الأتاسي إدراج بند على جدول المفاوضات يؤدي إلى استعادة الأقضية الأربعة التي سُلخت عن سورية وضمّت إلى لبنان سنة 1920 ولكنّ بلوم أصرّ على أن تكون المفاوضات حول مستقبل سورية فقط وألا تشمل الكيان اللبناني.

توصل الأتاسي إلى معاهدة مع فرنسا وُقّعت في مقر وزارة الخارجية الفرنسية في باريس يوم 9 أيلول 1936، تعطي سورية استقلالاً تدريجياً مقابل مجموعة من الامتيازات السياسية والعسكرية والثقافية. نصّت معاهدة عام 1936 على إعادة جبال العلويين والدروز إلى سورية والسماح بإنشاء جيش وطني، شرط أن أن يُسلَّح ويُدرَّب من قبل فرنسا. وفي المقابل وافق الأتاسي على منح فرنسا حق الانتفاع من الجو والبحر والأرض في سورية، في حال نشوب حرب عالمية جديدة في أوروبا.

هاشم الأتاسي مع أعضاء الكتلة الوطنية عند التوقيع على معاهدة عام 1936.

عاد وفد الكتلة الوطنية إلى دمشق رافعاً شعار النصر في 29 أيلول 1936 واستُقبل أعضاؤه استقبال الفاتحين. وقد أُجريت انتخابات مبكرة في شهر تشرين الثاني، فازت فيها الكتلة الوطنية بغالبية مقاعد المجلس النيابي. استقال محمد علي العابد من منصبه وانتُخب هاشم الأتاسي رئيساً للجمهورية في 21 كانون الأول 1936.

الرئاسة الأولى 1936-1939

كلّف هاشم الأتاسي زميله في الكتلة جميل مردم بك برئاسة الحكومة وانتُخب صديقه فارس الخوري رئيساً لمجلس النواب.  ولأول مرة منذ احتلال سورية سنة 1920 سُمح للسوريين بأن يكون لهم وزارة للخارجية، تولّاها سعد الله الجابري، ووزارة للدفاع، التي تسلّمها شكري القوتلي. وكان أول عمل قامت به الحكومة المردمية هو التصديق على معاهدة عام 1936 قبل أن تُرسَل إلى مجلس النواب حيث جرت الموافقة عليها بالإجماع.

تعرض عهد هاشم الأتاسي من يومه الأول إلى تحديات جسيمة، تمثّلت بداية بعودة زعيم المعارضة عبد الرحمن الشهبندر من منفاه في مصر وشنّه هجوماً عنيفاً على معاهدة عام 1936، مُعتبراً أنها أعطت فرنسا الكثير ولم تأخذ بالمقابل وعداً صريحاً بالاستقلال. كان الشهبندر صديقاً قديماً للأتاسي وقد عُيّن وزيراً للخارجية في حكومته الأولى أيام الملك فيصل، ولذلك فقد تجنب الدخول في مواجهة معه وصوّب سهامه فقط باتجاه جميل مردم بك وسعد الله الجابري.  وقد ردّ رئيس الحكومة على انتقادات الشهبندر المتكررة بوضعه قيد الإقامة الجبرية ومنعه من ممارسة أي نشاط سياسي، وأمر باعتقال عدد من أنصاره، ما أضر بسمعة العهد الوطني وأزعج الرئيس الأتاسي كثيراً.

وقد واجه الأتاسي تحديات أمنية كبيرة في منطقة الجزيرة عند ظهور تيار انفصالي قام أتباعه بخطف محافظ المنطقة توفيق شامية. حادثة الاختطاف هزت الطبقة السياسية في سورية وأدت إلى هروب محافظ اللاذقية عادل العظمة، خوفاً من مصير مشابه. إضافة لكل هذه التحديات، تزامنت رئاسة الأتاسي مع صعود أدولف هتلر في ألمانيا وشعور الفرنسيين بالقلق الشديد من طموحاته التوسعية. تحسباً لأي مواجهة معه في أوروبا، قرر البرلمان الفرنسي عدم التصديق على معاهدة عام 1936، ما وضع الكتلة الوطنية ورئيسها في موقف حرج أمام الشارع السوري. حاول الأتاسي تدارك الموقف وأرسل رئيس الحكومة إلى فرنسا للتفاوض على الملاحق للمعاهدة، كضمان مكانة اللغة الفرنسية في المدارس السورية وإعطاء فرنسا حق التنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية. ولكنّه طلب من جميل مردم بك ألا يوقع على أي ملحق قبل مناقشته أمام البرلمان، ولكنّ رئيس الحكومة قام بالتوقيع، متجاهلاً كلام رئيس الجمهورية.

وعندما أصر الفرنسيون على موقفهم الرافض للمعاهدة، استقال جميل مردم بك من رئاسة الحكومة في شباط 1939. شُكّلت بعدها حكومتان، الأولى برئاسة لطفي الحفار، عضو المكتب الدائم في الكتلة الوطنية، والثانية برئاسة السياسي المستقل نصوحي البُخاري، المحسوب على رئيس الجمهورية. ولكنّهم فشلوا في تمرير المعاهدة وفي منع سلخ منطقة لواء إسكندرون عن سورية، التي أُعطيت إلى تركيا من قبل حكومة باريس لضمان حيادها في الحرب العالمية الثانية. احتجاجاً على رفض التصديق على المعاهدة وعلى سلخ اللواء، استقال هاشم الأتاسي من منصبه مساء يوم 7 تموز 1939. بعدها بيوم واحد حُلَّ المجلس النيابي وتولّى المفوض السامي الفرنسي شؤون السلطتين التنفيذية والتشريعية في سورية.

قمة الأتاسي – ديغول سنة 1941

بعدها بشهرين اندلعت نيران الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وفي 14 حزيران 1940، احتُلَّت باريس من قبل هتلر والجيش الألماني، وسقطت سورية تحت حكم الرايخ الثالث. نظّمت مقاومة فرنسية  ضد الاحتلال النازي بقيادة الجنرال شارل ديغول، الذي قاد حملة مشتركة مع الإنكليز لتحرير سورية من حكم فيشي  في تموز 1941. ثم جاء ديغول إلى دمشق وتوجه إلى بلدة شتورا اللبنانية حيث كان الأتاسي يقضي إجازته الصيفية، عارضاً عليه العودة إلى رئاسة الجمهورية.

سأله هاشم الأتاسي: “ما هي السلطة التي ستتمتع بها الجمهورية السورية العتيدة؟”

أجابه ديغول: “هناك ضرورات حرب ويمكن أن تكون بنود معاهدة 1936 مبدئياً هي الأسس التي تحدد بموجبها العلاقات بين الجمهورية السورية والسلطات الفرنسية.”

ردّ الأتاسي قائلاً: “لقد مرت سنوات على تلك المعاهدة وتغيّرت الظروف ونحن نطالب اليوم بما هو أوسع من ذلك.”

ثم أبلغه عن عدم رغبته بالعودة إلى الحكم، مُشيراً إلى أن تجربته السابقة مع الفرنسيين لم تكن مشجعة بسبب تخليهم عن المعاهدة وتراجعهم عن كل الوعود التي كانوا قد قطعوها في السنوات السابقة.

الأتاسي في عهد القوتلي (1943-1946)

غاب هاشم الأتاسي عن المشهد السياسي من بعدها باستثناء مباركته ترشح زميله في الكتلة،  شكري القوتلي، إلى رئاسة الجمهورية في صيف العام 1943. وقد دُعي الأتاسي لمشاركة القوتلي احتفالات عيد الجلاء الأول يوم 17 نيسان 1946، ولكنه رفض الدخول في الحزب الوطني الذي ظهر في مطلع عهد الاستقلال، وكان مدعوماً من القوتلي. برر الأتاسي اعتذاره عن دخول الحزب الوطني قائلاً إن الكتلة الوطنية كانت تجمعاً وطنياً في وجه الاستعمار، ليس لها أي هدف إلّا تحرير البلاد وصون وحدة أراضيها. أمّا الحزب الوطني فله غاية سياسية أخرى وهي الوصول إلى الحكم. وكان هاشم الأتاسي يعدّ نفسه زعيماً وطنياً وممثلاً لكل السوريين، تعلو مكانته الرفيعة جميع الاعتبارات السياسية والحزبية.

تكليفه برئاسة الحكومة سنة 1948

الرئيس الأسبق هاشم الأتاسي مع رئيس الجمهورية شكري القوتلي سنة 1946.

في حرب فلسطين سنة 1948، خرج هاشم الأتاسي من عُزلته نزولاً عند رغبة الرئيس القوتلي وقبل تكليفه برئاسة الحكومة في محاولة لإنقاذ البلاد من أزمة وزارية حادة، جاءت في أعقاب استقالة حكومة جميل مردم بك الخامسة والأخيرة. كان ذلك بعد تسع سنوات من خروجه من الحكم، ليكون الوحيد بين رؤساء سورية الذي قبل أن يكون رئيساً للحكومة بعد أن كان رئيساً للجمهورية. جاء الأتاسي إلى دمشق لإجراء مشاورات مع الأحزاب والكتل النيابية ولكنه سرعان ما اعتذر عن التكليف نظراً لشدة التحزب والغليان الناتج عن تراجع الجيش السوري في فلسطين.

انقلاب سامي الحناوي (14 آب 1949)

عصفت بسورية من بعدها مرحلة حكم عسكري بدأت بانقلاب حسني الزعيم على شكري القوتلي في 29 آذار 1949، تلاها انقلاب سامي الحناوي على حسني الزعيم في 14 آب 1949. وبعد نجاح الانقلاب الثاني ومقتل الزعيم، أعلن سامي الحناوي أنه لا يريد رئاسة الجمهورية لنفسه وقال إنه سيعيد الجيش إلى ثكناته ويفسح المجال أمام عودة الحياة البرلمانية التي كان حسني الزعيم قد عطلها مع انقلابه الأول.

دعا الحناوي إلى اجتماع كبير في مبنى الأركان العامة، حضره قادة الأحزاب السياسية، تقرّر فيه الطلب إلى هاشم الأتاسي العودة إلى الحكم بصفته زعيماً تاريخياً أجمع عليه الشعب السوري بكل أطيافه، لقيادة المرحلة الانتقالية وترسيخ الأسس الدستورية والديمقراطية. رفض الأتاسي هذا الطلب بداية، ورأى أنّ شكري القوتلي يبقى هو الرئيس الشرعي للبلاد، بموجب الانتخابات النيابية التي أوصلته إلى الحكم سنة 1943، وجددت له سنة 1948.

رأى أن يعود القوتلي إلى الحكم ويدعو إلى انتخابات نيابية جديدة تليها انتخابات رئاسية، ولكن معظم السياسيين رفضوا هذا المقترح وأصروا على عودة الأتاسي. نزولاً عند رغبة الأكثرية وإنقاذاً للموقف قَبل هاشم الأتاسي التكليف وشكّل حكومة جديدة في 15 آب 1949. فور تسلّمه الحكم أصدر عفواً عن جميع معتقلي حسني الزعيم وأمر بعودة الضبّاط المُسرحين إلى الخدمة، وكان على رأسهم أديب الشيشكلي، الذي عُيّن آمراً للواء الأول.

العلاقة مع حزب الشعب

حاول الأتاسي التعاون مع كل الأحزاب السياسية العاملة في البلاد، وعيّن نظام القدسي من حزب الشعب وزيراً للخارجية وميشيل عفلق من حزب البعث وزيراً للمعارف، وجاء بالزعيم الاشتراكي أكرم الحوراني إلى وزارة الدفاع. المُستفيد الأكبر من حكومة الأتاسي الجديدة كان ومن دون منازع، قادة حزب الشعب، وهو الحزب المعارض لشكري القوتلي الذي ظهر في حلب سنة 1948. أحد مؤسسيه كان الدكتور عدنان الأتاسي، ثاني أبناء هاشم الأتاسي، الذي نادى بإقامة وحدة عربية شاملة تكون بدايتها بين سورية والعراق.

وقد طالب الأتاسي الابن بأن تكون الوحدة تحت عرش الأسرة الهاشمية الحاكمة في بغداد والممثلة بالملك فيصل الثاني، حفيد الملك فيصل الأول. وقد أيَّده في هذا الطرح رئيس الجمهورية ورئيس الأركان سامي الحناوي، المحسوب على العراق الهاشمي. تولى وزير الخارجية ناظم القدسي مهمة التفاوض مع العراق لتحقيق الوحدة، بدعم من صديقه رشدي الكيخيا، الذي انتخب رئيساً للجمعية التأسيسية المكلفة بوضع دستور سورية الجديد. كلاهما كان من حزب الشعب، وكانا مقرَّبين من هاشم الأتاسي الذي انتُخِب رئيساً للدولة بالإجماع يوم 14 كانون الأول 1949.

انقلاب الشيشكلي الأول (19 كانون الأول 1949)

ظنّ كثيرون أن عودة الأتاسي إلى الحكم ستؤدي حكماً إلى تحقيق الوحدة السورية – العراقية، ولكنّ انقلاباً عسكرياً وقع في 19 كانون الأول 1949، أطاح بسامي الحناوي الداعم الأول بين ضباط الجيش لمشروع الوحدة. أُرسل مكبلاً مهاناً إلى السجن بعد عزله عن رئاسة الأركان العامة، وكان مهندس الانقلاب أديب الشيشكلي يرى في مشروع الوحدة تعدّياً على نظام سورية الجمهوري وتحدياً شخصياً له. كان انقلاب الشيشكلي هو الثالث في أقل من عام بعد انقلاب الزعيم في آذار وانقلاب الحناوي في آب 1949، وقد هدف إلى حرمان تحالف الأتاسي – حزب الشعب من دعم المؤسسة العسكرية الذي كان يوفره سامي الحناوي فيما يتعلق بقضية الوحدة مع العراق.

انقلاب الشيشكلي الثاني (29 تشرين الثاني 1951)

اشترط الشيشكلي على السلطة المدنية تعيين أحد أعوانه، اللواء فوزي سلو، في وزارة الدفاع في كل الحكومات المُقبلة، مع صلاحية نقد أي مشروع وحدوي مع بغداد قد تطرحه وزارة حزب الشعب في المستقبل. تفادياً لصدام جديد مع العسكر، وخوفاً من انقلاب جديد وأوسع قد يقوم به الشيشكلي، قرر الأتاسي قبول مطالب الجيش والتعايش مع أديب الشيشكلي حتى 28 تشرين الثاني 1951، عندما شُكلت حكومة جديدة بقيادة حزب الشعب، رفضت إسناد حقيبة الدفاع إلى فوزي سلو.

وجه الشيشكلي إنذاراً شديداً إلى رئيس الحكومة معروف الدواليبي، طالباً منه تعديل التشكيلة الوزارية فوراً، وعندما لم يستجب قام الشيشكلي بانقلاب جديد صباح يوم 29 تشرين الثاني 1951. اعتُقِل الدواليبي مع أعضاء حكومته، وأجبروا على الاستقالة من داخل سجن المزة. غضب الأتاسي من هذا التطاول الصريح على حكمه وصلاحياته الدستورية، وفي 2 كانون الأول 1951، استقال من الرئاسة احتجاجاً على تجاوزات الشيشكلي. في اليوم نفسه، أصدر الشيشكلي قراراً عسكرياً بتسمية فوزي سلو رئيساً للدولة والحكومة معاً وظلّ يحكم عبره حتى توليه الحكم بشكل مباشر وانتخابه رئيساً للجمهورية في 11 تموز 1953.

مؤتمر حمص 

هاشم الأتاسي رئيساً لمؤتمر حمص في عهد الشيشكلي.

في هذه المرة، لم يعتزل هاشم الأتاسي السياسة كما فعل سنة 1939 بل كرس جهوده لإسقاط الشيشكلي ونزع الشرعية عن حكمه. وقد دعا إلى مؤتمر كبير في داره بحمص يوم 20 حزيران 1953، حضره جميع خصوم الشيشكلي، تقرر فيه عدم الاعتراف بالعهد الجديد والسعي لإسقاطه بكل الطرق المتاحة، سياسياً وعسكرياً. نظراً لتقدمه بالسن ومكانته الرفيعة في المجتمع السوري، لم يتمكن الشيشكلي من اعتقال هاشم الأتاسي يومها ولكنّه أمر باعتقال نجله عدنان مع جميع رفاقه في حزب الشعب.

الرئاسة الأخيرة 1954-1955

لم يُغير اعتقال عدنان الأتاسي من قناعات هاشم الأتاسي وموقفه الصارم من حكم العسكر، فقد أيّد الثورة التي انطلقت ضد أديب الشيشكلي من جبل الدروز وامتدت إلى حمص وحلب والساحل، قبل أن تُطيح به وبحكمه في 25 شباط 1954. عاد الأتاسي فوراً إلى دمشق في 1 آذار 1954 لإكمال ما تبقى من ولايته الدستورية، ورأى أن نظام الشيشكلي لم يمر على سورية. وأمر باستعادة البرلمان القديم والمُنتخب سنة 1949 ومعه دستور عام 1950، وألغى معظم القرارات التي صدرت في العهد البائد وحملت توقيع أديب الشيشكلي.

اغتيال العقيد عدنان المالكي

حضر الرئيس العائد إلى الحكم افتتاح معرض دمشق الدولي في 1 أيلول 1954، مبشراً بمرحلة جديدة يسودها الهدوء والاستقرار والرخاء الاقتصادي، ولكن سورية شهدت جريمة كبيرة بعدها بأشهر قليلة، عكرت صفاء ولاية الأتاسي، يوم اغتيال رئيس الشعبة الثالثة في الجيش العقيد عدنان المالكي في 22 نيسان 1955.

كان لهذا الحدث تأثير كبير على مجرى الحياة السياسية في سورية، وقد أدى إلى حظر الحزب السوري القومي الاجتماعي المتهم بتنفيذ الجريمة، واعتقال جميع قادته وأعضائه. وقد أعطت هذه الجريمة ذريعة لضباط الجيش بالتدخل مجدداً في الشؤون السّياسيّة، بحجة الثأر للشهيد المالكي. ومن أبرز النتائج المباشرة لتلك الجريمة كان تعيين عبد الحميد السراج مديراً للمكتب الثاني (شعبة المخابرات العسكرية) للإشراف على التحقيقات وفرض حكم بوليسي على سورية لم يختلف كثيراً عن حكم حسني الزعيم وأديب الشيشكلي.

الخلاف مع جمال عبد الناصر

ترافق عهد الأتاسي الأخير مع صعود نجم جمال عبد الناصر في مصر، الذي لم يكن على علاقة جيدة مع نظيره السوري. كان الأتاسي ينظر إلى عبد الناصر ورفاقه من الضباط الأحرار على أنهم “مراهقون” في السياسة، لا خبرة لهم ولا حكمة، وقد رفض أن تكون لهم اليد العُليا في رسم سياسات الوطن العربي وفرض إرادتهم ومشيئتهم على سورية. وقد ظهر الخلاف بينهم منذ أن أعطى الأتاسي اللجوء السياسي لبعض كوادر الإخوان المسلمين في مصر، المُلاحقين أمنيّاً بعد محاولة اغتيال عبد الناصر في مدينة الإسكندرية في تشرين الأول 1954. رد عبد الناصر بسحب السفير المصري من دمشق وشنّ حملة إعلامية واسعة على حكّام سورية عبر جريدة الأهرام وإذاعة صوت العرب.

تفاقم الخلاف بعدها حول مشروع حلف بغداد، الذي أراد عبد الناصر إجهاضه ولكن الأتاسي رفض قائلاً إنّ بلاده لن تدخل في مواجهة لأجله، لا مع الغرب ولا مع العراق. وفي كانون الثاني 1955 دُعيت سورية للمشاركة في مؤتمر رؤساء الحكومات العربية المُنعقد في القاهرة برعاية الرئيس عبد الناصر وحضوره. قبِل الأتاسي الدعوة وأرسل صديقه القديم فارس الخوري للمشاركة، بعد تعيينه رئيساً للحكومة. بالتنسيق مع الأتاسي، رفض فارس الخوري التهجم على العراق وتخوين رئيس حكومته نوري السعيد، ورفض وصف حلف بغداد بالمشروع الاستعماري والصهيوني.

انتخابات عام 1954

ومع قرب نهاية ولايته طلب الأتاسي إلى سعيد الغزي تشكيل حكومة وطنية للإشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية المُقبلة. وتعدّ هذه الانتخابات الأكثر نزاهة وشفافية في تاريخ سورية الحديث نظراً للكفاءة العالية التي كان يتمتع بها سعيد الغزي ووزير الداخلية إسماعيل قولي، الذي أصرّ على عدم تدخل الجيش أو طبقة الملاكين القدامى في العملية الانتخابية. وقد صبّ هذا الحياد في مصلحة حزب البعث، الذي فاز بسبعة عشر مقعداً من مقاعد المجلس النيابي، وهي أعلى نسبة منذ تأسيسه سنة 1947.

سنوات التقاعد

سلّم هاشم الأتاسي مقاليد الحكم إلى شكري القوتلي وتوجه إلى حمص لقضاء سنواته الأخيرة، مُعتزلاً السياسة وبعيداً عن الشأن العام. في سنوات التقاعد تعرض لصدمة كبيرة يوم اعتقال نجله عدنان سنة 1956، بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري مموّل من العراق لقلب نظام الحكم في سورية. اتُهم عدنان الأتاسي بمحاولة إقصاء جميع الشخصيات السّياسيّة والعسكرية الموالية لعبد الناصر في سورية، ومنها رئيس البرلمان أكرم الحوراني ومدير المكتب الثاني عبد الحميد السراج.

جرت محاكمة علنية لعدنان الأتاسي على مُدرّج جامعة دمشق، ولكن هاشم الأتاسي رفض حضورها أو التوسط لدى شكري القوتلي لإطلاق سراحه. وقد بقي عدنان الأتاسي سجيناً حتى 1960، عندما نُقِل إلى مصر ووُضِع قيد الإقامة الجبرية في مدينة الإسكندرية. كان ذلك في الجمهورية العربية المتحدة وكان آخر ظهور للرئيس الأتاسي  يوم إعلان الوحدة سنة 1958، حيث توجه إلى دمشق للمشاركة في استقبال جمال عبد الناصر، على الرغم من الخلاف الشديد بينهما ووجود ابنه في السجن.

الوفاة

توفي الرئيس هاشم الأتاسي في حمص عن عمر ناهز 87 عاماً صباح يوم 6 كانون الأول 1960. رُتبت له جنازة رسميّة حُمل فيها نعشه المجلل بالعلم السوري على عربة مدفع، حضرها عبد الحميد السراج بصفته وزيراً للداخلية، ممثلاً عن الرئيس عبد الناصر، ومعه المهندس نور الدين كحالة، رئيس المجلس التنفيذي في دولة الوحدة. أُعلن الحداد العام في أراضي الجمهورية العربية المتحدة كافة وأُطلق اسم هاشم الأتاسي على شارع رئيسي ومدرسة في كل مدينة سورية، منها مسقط رأسه في حمص ومركز حُكمه في دمشق.


*المصدر

1. عبد الغني العطري. عبقريات وأعلام (دار البشائر، دمشق 1996)، 132. محمد رضوان الأتاسي. هاشم الأتاسي: حياته وعصره (دمشق 2005)، 31-373. نفس المصدر، 384. يوسف الحكيم. سورية والعهد الفيصلي (دار النهار، بيروت 1966)، 1595. جورج فارس. من هم في العالم العربي (دمشق 1957)، 7-86. محمد رضوان الأتاسي. هاشم الأتاسي: حياته وعصره (دمشق 2005)، 1117. محمّد حرب فرزات. الحياة الحزبية في سورية (دار الرواد، دمشق 1955)، 1038. فيليب خوري. سورية والإنتداب الفرنسي (باللغة الإنكليزية – جامعة برينستون 1987)، 335-3409. نفس المصدر، 34010. يوسف الحكيم. سورية والإنتداب الفرنسي (دار النهار، بيروت 1983)، 37011. محمد رضوان الأتاسي. هاشم الأتاسي: حياته وعصره (دمشق 2005)، 263-26412. يوسف الحكيم. سورية والإنتداب الفرنسي (دار النهار، بيروت 1983)، 330-33113. باتريك سيل. الصراع على سورية (باللغة الإنكليزية – لندن 1965)، 8014. نفس المصدر، 180.