هل تعجل الحرب على غزة بنهاية الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا؟

 حرب غزة أكدت أن الاحتلال احتلالين فعليا. نظراء المحتلين في العراق وسوريا، هم الاسرائيليون في فلسطين. "محور المقاومة" كما يقول الأمين العام لكتائب سيد الشهداء الحاج أبو آلاء الولائي لـ The Cradle، يرى ان الاحتلال الاميركي هدفه "قطع شريان" المقاومة في المنطقة، ومنع تواصلها جغرافيا. 
في هذا المقال

 

*ميثاق: مقالات وآراء المصدر: عربي The Cradle

  • خليل حرب

 

بانحيازها الكامل لعدوان إسرائيل على غزة، فان الادارة الاميركية وضعت نفسها في موقف إقليمي أكثر خطورة، خصوصا في ما يتعلق باحتلالها في كل من العراق وسوريا. وصار من الواضح لملايين الناس حول العالم، وخصوصا في غرب آسيا، ان هذا الاحتلال لم يحقق لا سلاما ولا استقرارا، لا في العراق ولا في سوريا، بل وإتخذ دورا أكثر وقاحة بتسخير قدراته علانية لدعم آلة حرب اسرائيل على الفلسطينيين الآن.

يذهب الاحتلال الأميركي بعيدا في احتضانه للاحتلال الاسرائيلي. لم تعد هناك أي مراعاة تذكر لمصالح ومشاعر ومواقف لا حكومات الدول العربية والاسلامية، ولا شعوبها. بعد شهرين على المذبحة المستمرة، تقول وزارة الخارجية الأميركية “لم نر أي دليل على أن إسرائيل تقتل المدنيين عمداً”.

وإذا كان الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، قد خلق محيطا عربيا وإسلاميا معاديا على المستوى الشعبي، الى جانب مئات آلاف الجثث والمذابح وملايين النازحين، وهي كارثة متعددة الجوانب لا تزال آثارها محفورة بعمق في اذهان شعوب المنطقة، ولم تشف منها، فإن الدعم المفتوح للسياسة الإجرامية لحكومة إسرائيل الآن، بما في ذلك تسليمها 10 آلاف طن من السلاح والعتاد بجسر جوي متواصل (200 طائرة شحن) منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب وزارة الدفاع الاسرائيلية، أضاف كل عناصر التشويه – والتوتير – الممكنة في وجه الولايات المتحدة ووجودها.

تتزايد الشكوك والتساؤلات حول جدوى الاحتلال، في العراق وسوريا، حتى في الداخل الاميركي، والمغزى من استمرارهما على أراض كان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب وصفها في بداية العام 2019 بانها بلاد “الرمال والموت”، مقررا الانسحاب من سوريا، قبل ان يتراجع تحت ضغط اللوبيات المؤيدة للحروب والتدخل الخارجي، ووزير دفاعه جيم ماتيس الذي استقال احتجاجا، بالاضافة الى بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء دولة الاحتلال الموازية، الذي طلب تأجيل الانسحاب.

حرب غزة أكدت أن الاحتلال احتلالين فعليا. نظراء المحتلين في العراق وسوريا، هم الاسرائيليون في فلسطين. “محور المقاومة” كما يقول الأمين العام لكتائب سيد الشهداء الحاج أبو آلاء الولائي لـ The Cradle، يرى ان الاحتلال الاميركي هدفه “قطع شريان” المقاومة في المنطقة، ومنع تواصلها جغرافيا.

وهناك من يستشعر القلق في واشنطن. قبل أيام، بدأ السيناتور الجمهوري راند بول تحركاً داخل الكونغرس من أجل المطالبة بسحب القوات الاميركية من سوريا، على اعتبار “ان الشعب الاميركي سئم من الحروب التي لا نهاية لها في الشرق الاوسط، وبرغم ذلك، هناك 900 جندي أميركي لا يزالون في سوريا من دون أن تكون هناك مصالح أمريكية حيوية على المحك، ولا وجود لتعريف للنصر، ولا وجود لاستراتيجية خروج، ولا وجود لتصريح من الكونغرس بالتواجد هناك”. ويعتبر بول ان على النواب الاميركيين مناقشة ما اذا كانت المهمة التي أرسل الجنود الأميركيون للقيام بها في سوريا، قابلة للتحقيق أم لا.

وهناك قرار مصادق عليه من الكونغرس منذ العام 1973 حول “سلطات الحرب”، والذي يستند عليه السيناتور بول في تحركه، يفرض على الادارات الاميركية سحب جنودها من مناطق معادية، طالما أن الكونغرس لم يعلن الحرب. صحيح ان بايدن نفذ انسحابا فوضويا من أفغانستان بعد “حرب لانهائية” تذمر منها الأميركيون طويلا، والأهم ان الخروج كان بمثابة من “عاد بخفي حنين” وتحت نيران المقاومين الأفغان، الا انه ابقى على قواته المحتلة في العراق وسوريا.

ورسميا، تبدل الغزو الأميركي للعراق من مهمة قتالية إلى “مهمة استشارية ودعم”. وهو تغيير كان بمثابة عملية تجميل لاستمرار وجود الاحتلال. وإذا كان تنظيم داعش هو الذريعة التي استخدمت من اجل عودة المهمة القتالية للاميركيين في العام 2014، فإن كل أطراف “محور المقاومة” تعتبر أن نجاح الدواعش في خرق الحدود بالتقدم من مدينة الرقة السورية في 8 حزيران 2014 نحو مدينة الموصل العراقية (وإعلان الخلافة منها) وخرق الحدود بين البلدين، لم يكن صدفة.

وتعززت هذه الشكوك من خلال ظواهر عديدة، من بينها ان الطائرات الأمريكية قصفت أكثر من مرة تجمعات ومواقع لقوات “الحشد الشعبي” العراقي بينما كانت تخوض معارك مع الارهابيين، او تستعد لمهاجمتهم، او من خلال محاولة عرقلة دور الحشد في معركة التحرير.

ولما لاح النصر للعراقيين، فإن واشنطن تجاهلت ان الحكومة العراقية اعلنت رسمياً في 9 كانون الأول/ديسمبر 2017، النصر النهائي على التنظيم، إذ توجه رئيس الوزراء وقتها حيدر العبادي الى العراقيين قائلا “أيها العراقيون: إن أرضكم قد تحررت بالكامل وإن مدنكم وقراكم المغتصبة عادت إلى حضن الوطن.. وحلم التحرير أصبح حقيقة وملك اليد”.

*مواد ذات صلة:

أبقت الولايات المتحدة على قواتها برغم تلاشي خطر داعش. ومثلا، قالت قوات التحالف التي تقود عملية “العزم الصلب” انها في اطار مجمل عملياتها خلال شهر يونيو/حزيران الماضي ضد داعش، بلغت 37 عملية، قتلت 13 عنصرا وجرى اعتقال 21 آخرين بالشراكة مع الحلفاء من قوات “قسد” (في الشمال السوري) والجيش العراقي وقوات البيشمركة الكردية (في اقليم كردستان العراقي). وكان هناك 30 عملية في العراق قتل فيها 12 إرهابيا و7 عمليات في سوريا قتل فيها إرهابي واحد.

والسؤال هو، هل توحي هذه الأرقام بأن معركة الاميركيين مع الإرهابيين محتدمة؟ هل تستحق نتائج هزيلة مثل هذه تمركز آلاف الجنود ما بين القواعد العسكرية في العراق وبين قواعد شمال شرق سوريا، وفي قاعدة التنف في الجنوب السوري، لتقتل إرهابيا واحدا في سوريا؟

يتصرف الاميركيون بصلف. يتجاهلون مثلا ان العراق صار قادرا على تخصيص 22 مليار دولار لميزانية وزارة الدفاع وحدها، وان عديد الجيش صار كافياً للقيام بمهامه على مساحة العراق وحدوده، فضلا عن أن الجيش مسنود من قوات الحشد الشعبي، وهي كلها قوات صارت تتمتع بخبرة قتالية كبيرة بعد سنوات القتال ضد الإرهابيين، وخوضها معارك مفتوحة وداخل المناطق الحضرية.

تفرغ الأميركيون منذ اعلان العراق النصر على داعش، للتضييق وملاحقة الحشد الشعبي وقادته من فصائل المقاومة المتعددة، وصولا الى اغتيال “قائدي النصر” على داعش، أي قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس وقائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ثم يتمادون في التعبير عن همجية قوة محتلة، بتجاهلهم تصويت مجلس النواب العراقي في 5 كانون الثاني/يناير 2020، على قرار يلزم الحكومة العراقية بالعمل على إنهاء وجود جميع القوات الأجنبية على الأراضي العراقية.

أما في سوريا، فكما هو معروف، فان قوات الاحتلال الأميركية بدأت تتمركز في هذا البلد مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي في العام 2014، ونفذت أولى ضرباتها الجوية ضد الارهابيين في 7 اغسطس/آب 2014، ثم الاعتداءات الاولى ضد الدولة السورية نفسها في 7 ابريل/نيسان 2017 بقصف مطار الشعيرات العسكري في محافظة حمص، بعدما كانت احتلت في قاعدة التنف العام 2016.

الحاج أبو آلاء الولائي، الامين العام لـ”كتائب سيد الشهداء”، الذي وضع للتو على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، وعلى لائحة وزارة الخارجية الاميركية بوصفه “إرهابي عالمي” لأن الكتائب “خططت وشاركت في هجمات ضد أفراد اميركيين في العراق وسوريا”، يقول لـThe Cradle  ردا على سؤال حول تمسك الاميركيين باحتلالهم لقواعد وثكنات في أنحاء العراق وسوريا، انه “في البعد العام، فان الشرق الاوسط بما له من أهمية استراتيجية على مستوى الثروات الطبيعية والموقع الجغرافي والأمن القومي، اصبح محط انظار أقطاب المحاور العالمية ودفعهم الى التسابق لتثبيت موطىء قدم لهم فيه سواء على مستوى بناء القواعد العسكرية او مد الأذرع السياسية او بناء الفواعل الاقتصادية او التأثير بثقافاته المجتمعية”.

ويقول الحاج أبو آلاء الولائي أنه في “البعد الخاص، فإن الاحتلال الأميركي يجد بأن خط محور المقاومة الممتد عبر إيران والعراق وسوريا وصولاً الى باقي البلدان، يمثل الشريان الأبهر للمحور، وان تواجد الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا سيساهم من وجهة نظره بقطع ذلك الشريان”.

ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الاول الماضي، وقع أكثر من 70 هجوما على مختلف مواقع تمركز القوات الأميركية ما بين العراق وسوريا، في اطار ردود من فصائل المقاومة على موقف واشنطن المنحاز بالكامل لاسرائيل في المذبحة التي ترتكبها في غزة، حيث ارسلت الولايات المتحدة تعزيزات عسكرية تتمثل في السفن الحربية وحاملتي طائرات، والاف الجنود الى المنطقة، ليكون ذلك فعليا بمثابة مساندة مباشرة لاسرائيل. لكن واشنطن حاولت التسويق لخطوتها هذه بانها بهدف منع انتشار الصراع اقليميا، وهو ما يتعارض بشكل فاضح مع السلوك الاميركي نفسه حيث شنت قوات الاحتلال الاميركي غارات على مواقع تابعة للمقاومة في كل من العراق وسوريا ما اوقع العديد من الشهداء. بل انها تساهم في الوقت الراهن في التصدي للصواريخ والطائرات المسيرة التي تطلقها القوات المسلحة اليمنية باتجاه اسرائيل.

ويطرح هذا السلوك تساؤلات اضافية عن حقيقة دور وأهداف الوجود العسكري الأميركي هذا. ويقول الحاج أبو آلاء الولائي إن “الاحتلال الأميركي ومن خلال انتهاكاته المستمرة للسيادة العراقية وإراقته للدم العراقي عبر عملياته الجوية الغادرة بحق العراقيين، وبدون موافقة أو علم الحكومة العراقية، قد أسقط عن نفسه بنفسه صفة الاستشارة والتدريب، ولم يعد لهذه التعابير اي معنى، واصبح وجوده واضحاً بأنه محتل عسكري ووجود قتالي وقوات مميتة لا علاقة لها بالتدريب ولا بالاستشارة”.

وعندما سئل عما اذا كان الاحتلالان الأميركيان في العراق وفي سوريا، مترابطين، وما إذا كان انتهاء احدهما يعني انتهاء الآخر، قال الامين العام لكتائب سيد الشهداء انه “على المستوى الاستراتيجي فإن الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا ينطلق من ذات المنطلق الذي اشرنا اليه سابقا، وان تعمد اختيار هذين البلدين (العراق وسوريا) ليعزز من وجوده فيهما هو من أجل قطع شريان المقاومة”. واضاف قائلا انه فيما يتعلق بنهاية أحد الاحتلالين، فإنه “لا علاقة طردية بينهما. نعم سيؤثر كثيراً انتهاؤه في أحد البلدين على وجوده في البلد الاخر، لكنه لن ينهيه فوراً، والدليل أن الاحتلال كان متواجداً في العراق قبل أن يتواجد في سوريا”.

فرضت تطورات الحرب على غزة، معادلات ملتهبة جديدة على المواجهة الجارية بأساليب متعددة بين “محور المقاومة” وقوات الاحتلال الاميركي. تلعب واشنطن الورقة الكردية في الشمال الشرقي السوري، وتعزز تفكيك المكونات السورية بين بعضها البعض، وتبقي سوريا في حالة حرب داخلية. ويساهم الاحتلال من خلال قاعدة التنف، بمنع سيطرة الدولة السورية على البادية وجنوب البلاد، ومنها تقوم بتدريب مجموعات ارهابية تابعة لها، وتقف كعائق عند نقطة التلاقي الثلاثية بين الأردن والعراق وسوريا، لامتداد خط التواصل الجغرافي (والامني والاقتصادي) من بغداد الى دمشق، تماما كالدور الذي تؤديه عين الاسد في الغرب العراقي، كقاعدة عسكرية للاحتلال تمنع تمدد الحضور الإيراني غربا نحو البحر المتوسط.

وربما لهذا، ولأسباب أخرى عديدة، يدركها المحور المقاوم والمحور الأميركي، فإن الصواريخ والطائرات الانتحارية المسيّرة، لا تزال تستهدف الجنود الاميركيين، ملوحة لهم بالموت وتزرع المزيد من عدم اليقين في جدوى البقاء. وقد نشر موقع “ذا إنترسيبت” الأميركي مؤخرا وثائق سرية تتعلق بعمليات سرقة طالت معدات عسكرية “حساسة” في القواعد العسكرية الاميركية في العراق وسوريا. ولفت التقرير الى تأكيد وزارة الدفاع البنتاغون بأنه ليس لدى الرئيس بايدن أولوية اكثر اهمية من حماية حياة الجنود الاميركيين في الميدان، ليتساءل الموقع كيف بامكان الولايات المتحدة حماية جنودها طالما انها لا تستطيع تأمين معداتها العسكرية من السرقة.

الاحتلال هو أيضا عقبة في وجه التواصل سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا وأمنيا بين شعوب غرب آسيا. لكنه يدرك ان الايرانيين والاتراك والعراقيين والسوريين (والروس طبعا)، يراهنون على ان تكون أيامه معدودة. ولا تزال ذاكرة العراقيين والسوريين، وحلفائهم من الايرانيين واللبنانيين ايضا، تستعيد ذلك اليوم الباهر الذي تحقق في 18 يونيو/حزيران العام 2017، عندما اكتمل مشهد التقاء فصائل المقاومة العراقية والجيش السوري وحلفائه للمرة الاولى عند حدود البلدين، بعد دحر داعش، وتحديدا في محافظة الأنبار على بعد 50 كيلومترا شمال معبر التنف. وان هؤلاء لا زالوا يؤمنون بقول “أليس الصبح بقريب؟”.


 

وحدات حماية الشعب