*ميثاق: بيانات- المصدر”اللقاء السوري الديمقراطي“
- خطوة في طريقٍ طويلة.. لكن في الاتجاه الصحيح
شارك في اللقاء الذي عُقد في العاصمة الألمانية، برلين، في 20 و21 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، عددٌ من القوى السياسية السورية، وعشرات من الناشطين والناشطات في حقلي السياسة والثقافة، وبعض قوى المجتمع المدني السوري، التي كان جزءًا منها سوريون وسوريات في الداخل وفي أوروبا وباقي دول الشتات، وتوصَّلوا إلى بناء كيانٍ سياسي تحالفي باسم “التحالف السوري الديمقراطي“، بعد أشهر من عمل اللجنة التحضيرية، في مسعىً جادٍّ لخدمة هدف السوريين والسوريات المركزي؛ بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة وإنهاء الاستبداد بجميع أشكاله ومستوياته، ولا سيَّما السلطة الحاكمة التي حولت سوريا إلى دولة فاشلة على المستويات كافة، بعد أن أمعنت في السوريين قتلاً وتعذيباً وتشريداً وافقاراً، دولة المواطنة وحقوق الإنسان، التي تستند إلى أسسٍ واضحةٍ من الحياديّة تجاه جميع القوميات والإثنيات والأديان والطوائف والمذاهب، وتقف على درجة واحدة من مواطنيها وجماعاتهم المختلفة، في تنوّعٍ ينطلق من الوحدة ويسعى إلى المساهمة في بناء الهُويّة الوطنية السورية.
على الرغم من معرفة المشاركين والمشاركات بالأبعاد المعقدة للقضية السورية اليوم، بتداخلها وتشابكها مع قضايا المنطقة كافة، فضلًا عن التأثير السلبي للدول الكبرى، إلَّا أنهم عقدوا العزم رجالاً ونساءً على إشعال شمعة في ظلِّ هذا العتم المهيمن منذ سنوات. وعلى الرغم من الإدراك، بل والتفهم، لجميع أشكال النقد التي يمكن أن توجه إلى أي عمل سوري اليوم، وخلفياته المتنوعة والمفهومة، ولا سيَّما بعد سلسلة الإحباطات والانتكاسات التي نشرت اليأس بين السوريين، وأفقدتهم الثقة بأي مبادرة أو عمل، إلَّا أن الإصرار على البقاء في الساحة السياسية بوصفه حقًا وواجبًا في الوقت نفسه، دفع غالبية السوريين والسوريات لإدراك أهمية السياسة والتنظيم السياسي والعمل السياسي والخطاب السياسي في إعادة بناء الدول، بدلًا من البقاء في ساحة الشعارات والشعبويات والممارسات السطحية والمواقف التابعة لهذه الدولة أو تلك.
لا يسرُّ أي سوري أو سوريَّة أن تصبح بلدهم محتلّة بجيوش دول إقليمية وكبرى، ولا أن تتحول سوريا إلى بيئة حاضنة للجماعات والميليشيات المسلحة المتنوعة المدعومة من قوى خارجية ليس على جدول أعمالها الاستجابة لآمال الشعب السوري في وحدة سوريا والديمقراطية، ولا يسرُّ أحدًا أيضًا أن يصبح أكثر من تسعين في المئة من الشعب السوري تحت خطّ الفقر، ولا تشريد حوالى نصفه في أصقاع الأرض، ولا أن يظلّ هذا الشعب محكوماً بسلطة حاكمة تفتقد إلى أيِّ شرعية، ولا أن يبقى في الحصيلة بلا وطن ولا دولة ولا أرض.
لعلَّ الفوضى، اليوم، هي أبرز خصائص الواقع السوري، على المستويات كافة، السياسية والثقافية والاجتماعية والمدنية، على الرغم من محاولات كثيرٍ من السوريين والسوريات، خلال اثني عشر عامًا، بدءًا من آذار/ مارس 2011، بناء تجارب سياسية ومدنية متنوعة، لكنَّ معظمها أخفق، فيما نجح بعضها نسبيًا بدرجات متفاوتة. لذلك يغدو منطقيًا النظر بصورة إيجابية لكل عمل يزيد من فرصة انتظام السوريين الفاعل والحقيقي في مؤسسات وتنظيمات سياسية ومدنية وثقافية واجتماعية، ومشاركتهم في بناء مستقبلهم.
لقد بُنيت تحالفات سياسية عديدة، وعُقدت مؤتمرات كثيرة، لكنّ عديدًا منها طُبخ بصورة متعجلة، وبُني بعضها وفق إرادات إقليمية ودولية، فكانت تحالفاتٍ هشّة أو اعتباطية أو تابعة، سريعة التشكُّل والانحلال، وتفتقد إلى الحدِّ الأدنى من شروط بناء التحالفات وأسسها، وبعيدة جدًا عن الأداء السياسي العاقل والرزين والصبور والمثابر (الرؤية الواضحة، التفكير السياسي العقلاني، البرنامج السياسي، الخطاب السياسي المتوازن والمتماسك، الموقف المستقل الواضح، الآليات المحدَّدة، الكوادر والأدوات الفاعلة، الخطة الواضحة والمتدرِّجة، مصارحة السوريين بحقائق الواقع والسياسات). لذلك، يرى التحالف السوري الديمقراطي أنَّ الثلاثية التي حكمت العمل السياسي المعارض للنظام السوري هي ثلاثية بائسة على مستوى الوعي، وفقيرة على مستوى الأداء، وكارثية على مستوى الواقع والمستقبل المأمول، فضلًا عن كونها لعبًا على الأرضية التي يتقنها النظام السوري جيدًا: الافتتان بالسلاح والعنف، واللهاث وراء التطرف الديني أو القومي، ودخول السياسة من باب التبعية للدول. نأمل ونرجو، ونسعى لأن يكون التحالف السوري الديمقراطي تجربة مغايرة شكلًا ومضمونًا وأداء وخطابًا.
من الضروري أن نثبِّت بعض النقاط الأساسية مع الإعلان عن تأسيس التحالف السوري الديمقراطي وبدء مؤسساته وهيئاته ومكاتبه المختلفة أعمالها (الأمانة العامة، المجلس الاستشاري، مكتب التحكيم، المكتب الرقابي… إلخ):
-
نؤمن في التحالف السوري الديمقراطي بأنَّ مستقبل سوريا والسوريين والسوريات رهن الإرادة والاجتماع والتوافق بينهم، وتنظيم العمل والإصرار قبل أي عامل آخر. ونؤمن أن همّة السوريين والسوريات باقية، وليس أدلّ على ذلك من تظاهرات السويداء وحراكها المدني السلمي المتقدّم في الطرح الثابت في الموقف، الذي هو موضع فخر ومصدر فرح لكل سوري وسورية.
- ينظر التحالف السوري الديمقراطي إلى السوريين والسوريات جميعهم بوصفهم بشرًا ومواطنين ومواطنات لا امتياز لأيٍّ منهم على الآخر، وأن الجميع متساوٍ في الحقوق والواجبات، ذكورًا وإناثًا، ومن ثمَّ يقف ضدَّ خطابات الكراهية والتطرف والعنف والطائفية بوضوحٍ، من دون أيِّ تردّد أو تلعثم أو مناورة، ومن كلِّ نوعٍ وبأيِّ درجة، وكائنًا من كان صاحبها.
- يؤكد التحالف السوري الديمقراطي ضرورة إعادة بناء السياسة ومعاييرها وضوابطها، ووضع مرتكزات حقيقية للعمل والأداء السياسيين، فضلًا عن بناء لغة سياسية حكيمة ومواقف ورؤى سياسية عقلانية، والمساهمة في خلق بيئة سياسية جديدة بدلًا من البيئة المتخمة بالفوضى واللامبالاة والتسرع والاعتباطية والنقد العشوائي والشعبوية والشتائم وبثّ الأوهام واستجلاب مزيدٍ من الكوارث. فالعمل السياسي الحق هو ذاك العمل المنظَّم والصبور والمثابر، العمل المؤمن بأهمية البناء التدريجي وكسب المساحات وبدور الناس المركزي، العمل الذي تضيق فيه مساحة الأوهام ويرتفع فيه مستوى الأحلام المشروعة.
- لا يدعي التحالف السوري الديمقراطي تمثيل الشعب السوري أو الثورة السورية، بل يعرّف نفسه على أنّه حاملٌ للقيم الديمقراطية الليبرالية التي تتمثّلها غالبية الشعب السوري، لأن أي تمثيل حقيقي يحتاج إلى انتخاب في ظل بيئة مستقرة وديمقراطية ما زلنا بعيدين عنها، خصوصًا في ظلِّ زحمة ادعاءات التمثيل التي تزخر بها الساحة، ووجود كثيرٍ من القوى والهيئات التي ترى نفسها ولا ترى الآخرين. لكنَّ التحالف يؤمن في الوقت نفسه بقيم الحرية والكرامة التي أطلقتها الثورة السورية، ويعمل بدلالة المصالح العامة للشعب السوري في بناء الدولة الوطنية الديمقراطية.
- يؤمن التحالف السوري الديمقراطي بأنَّ الطريق إلى سوريا التي تحلم بها أكثرية الشعب السوري في العمق ما تزال طريقًا طويلة وشائكة، عنوانها الرئيس هو العمل المنظَّم والتراكمي والصبور، وتحتاج إلى جهد أبنائها وبناتها جميعًا، من دون أي مسعى لخداعٍ وتضليلٍ جهلًا أو قصدًا.
- يدرك التحالف أنّه يعمل خارج إطار البيئة السياسية المعتادة في المجتمعات الديمقراطية، فحالة التقسيم الواقعي للبلاد وسيطرة جيوشٍ أجنبيةٍ وميليشياتٍ وسلطاتِ أمر واقع من جهة، وتشتتنا في أربع جهات الأرض من جهة ثانية، واختلاف المنظومات السياسية والقانونية والإدارية والثقافية التي يتوجّب علينا مراعاتها من جهة ثالثة، وحالة انعدام الثقة التي سببها كلّ ذلك من جهة رابعة، يجعلنا عرضة لارتكاب الأخطاء. وهنا نعلنُ أننا حاولنا الجمع بين القوى السياسية والمدنية والشخصيات التي تعرّف نفسها ديمقراطية، في الداخل بكل تنويعاته وفي الشتات أيضًا قدر استطاعتنا. كذلك نعلن دون مواربة أو لجْلة أننا اتخذنا قرار المراجعة الدائمة المستمرّة لمسارنا هذا، وأننا نتقبّل النقد بكل أشكاله، وأننا سنعيد التواصل مع كلّ من لم يسبق لنا أن تواصلنا معهم أثناء أعمالنا التحضيرية، ومع كل من لم يقبل بالمشاركة معنا، ومع كل من شارك ثم انسحب.
- يلتزم التحالف السوري الديمقراطي مدونة سلوك، في داخله، وفي التعامل مع الجهات الأخرى السياسية والثقافية والمدنية، تؤكّد على أهمية الحوار الصريح والهادئ، وعلى الاحتكام إلى العقل والعلم في حلِّ مشكلاتنا.
سيعمل التحالف السوري الديمقراطي بين، ومع، ومن أجل، وبمشاركة السوريين والسوريات، ويمدُّ يده إلى جميع المؤمنين منهم والمؤمنات ببناء دولة سورية وطنية ديمقراطية حديثة، دولة حقيقية فوق أي سلطة، منطلقها ومستقرها وغايتها المواطن السوري وحريته وكرامته. فالقضية السورية اليوم أكبر وأعقد من أن يُديرها أو يخدمها طرف سياسي واحد أو لون واحد، لكن من المهم التأكيد أنَّ استقلالية القرار السوري عن الدول الإقليمية والكبرى، وتضييق مساحة الأيديولوجيات والعقائد والقوميات المتعددة والمتنوعة لمصلحة إعلاء شأن الانتماء السوري الوطني وأولويته، هي شروط مركزية ومحورية لكل عمل يريد حقًا أن يخدم سوريا وأهلها.
طويلٌ هو طريق الحريّة وشائك، عسيرٌ هو مخاض التغيير ومتأخر، صعبٌ هو البناء ومتعثّر، لكنّ المسؤولية والواجب يفرضان علينا المبادرة. ومن حيث راكم من سبقنا وعاصرنا التجارب نبدأ، ومن حيث اتفقنا ننطلق، نمدّ أيادينا لكل الأحرار، نفتح أبوابًا أغلقها الاستبداد، ونرفع للكرامة أشرعتنا، ونعمل على نقد تجربتنا والتواصل مع كل من لم يتفق معنا أو لم يشاركنا، بل ومع من تركنا أيضًا.
لن تثنينا العقبات والصعوبات، نعرف أنّ البعض يعملُ على إفشال جهودنا، لكننا نعلم علم اليقين أنّ الأكثرية الغالبة تسعى لإنجاح هذا المشروع، بالدعم والمساندة والمشاركة والنقد البنّاء والاقتراحات المثمرة. وكما ندرك بكل الوضوح أنّ الشعب السوري هو الأول والأخير في ترتيب أصحاب المصالح في التغيير والانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية، فإننا ندرك أيضًا أنّ شعوب الإقليم والعالم والدول المختلفة، القريبة منها والبعيدة، المترددة منها والصديقة، تنتظر منّا خطوة نحو الأمام، فالجميع بات يعرف ماذا نريد، لكنّهم ينتظرون منّا سماع كيف سنصل إلى ما نريد، وينتظرون منّا برامج عمل قابلة للتطبيق لا شعاراتٍ ما زالوا يسمعونها منذ عقد ونيّف دون أن نتمكّن من تنفيذ أيّ منها.
- في 27/10/2023
- الأمانة العامّة للتحالف السوري الديمقراطي