*ميثاق: مقالات وآراء
ترجمات الميثاق ـ المصدر”NEWSWEEK“
يتزايد الشعور بالهلاك الوشيك بين مسيحيي سوريا، الذين كانوا يشكلون أقل من 10% من سكان البلاد قبل حرب 2011. ورغم الوعود التي قطعها “الرئيس السوري” أحمد حسين الشرع للرئيس دونالد ترامب بتحقيق العدالة للجميع وحماية الأقليات السورية، إلا أنهم أصبحوا الآن مستهدفين.
لقد لامست هذه التطورات المرعبة وجداني مؤخرًا عندما وجد صديقي، وهو طبيب مسيحي من حماة، شمال دمشق، نفسه في مواجهة متوترة مع جندي سوري. خلال خلاف بسيط، صرخ الجندي قائلًا: “اصمت يا كافر”، مستحضرًا لقبًا ذا دلالات قاتلة.

بعد هذا الحوار المُهدِّد، حاول صديقي تصعيد الأمر داخل الحكومة والحصول على الحماية التي تعهّد بها الشرع. لكن بدلًا من ذلك، أُحيل إلى مرجع ديني، وهو أحد رجال الدين الجدد الكثر الذين يتولون الآن السلطة في هيكل الدولة الموازي في سوريا. سأله الشيخ: “لماذا تشتكي؟ أنتم المسيحيون كفار”.
لم تكن هذه حالة فردية. إنها تُجسّد واقع سوريا في ظل الشرع، دولة تُبنى بشكل متزايد على رؤية ثيوقراطية متشددة، حيث تُغلّب العقيدة الدينية على القانون المدني، وحيث لم تعد الأقليات تشعر بالأمان.
*مواد ذات صلة:
لنأخذ المذبحة الأخيرة في السويداء، وهي منطقة ذات أغلبية درزية ووجود بدوي كبير. اندلع العنف بين الدروز والبدو المحليين، كما حدث في السنوات الأخيرة. لكن، ولأول مرة، تدخلت الحكومة وانحازت إلى طرف في الصراع. وأرسل نظام الشرع ميليشيات “إسلامية” مسلحة بأسلحة عسكرية وترافقها طائرات بدون طيار للانضمام إلى البدو المحليين في مهاجمة الدروز.
على غرار حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قام المقاتلون الإسلاميون في سوريا بتحميل مقاطع فيديو مروعة على “تلغرام” تضمنت قتل رجال دروز، واعتداء جنسي على نساء وفتيات، وإعدامات، وتعذيب. وصفت التقارير الواردة من داخل السويداء مشاهد من الرعب الذي لا يمكن تصوره. من وجهة نظر الحكومة، كانت الحسابات واضحة: البدو مسلمون سنة وبالتالي يعتبرون “مؤمنين“. تعتبر الديانة الدرزية، التي نشأت من الإسلام الشيعي ولها معتقداتها وممارساتها الفريدة، هرطقة. من بين القتلى في مذبحة السويداء لم يكن الدروز فحسب، بل أكثر من 20 مسيحياً، بما في ذلك القس خالد مظهر، القس الإنجيلي الذي اعتنق الدين الدرزي. قتل مع 12 فرداً من عائلته.
قبل أسابيع من الاعتداءات الدموية، فجر انتحاري كنيسة القديس إلياس في دمشق. تجاهل الغرب الهجوم إلى حد كبير، منشغلاً بالتصعيد الإسرائيلي الإيراني. ومع ذلك، كان التفجير إيذاناً بمرحلة جديدة مرعبة للمسيحيين.
ومع ذلك، التزم الشرع الصمت. لا توجد كلمات تعزية. لا يوجد بيان عام. وبدلاً من ذلك، صادرت قواته كاميرات أمنية في الحي، مما أثار مزاعم بأن المهاجمين كانوا جهاديين سابقين يعملون الآن تحت رعايته.

هذه ليست أزمة سورية فحسب، بل هي أزمة عالمية. إن منح الشرعية أو “الفرصة” للنظام السوري الحالي خطأ كارثي. سيؤدي ذلك فقط إلى إجبار الولايات المتحدة وحلفائها على تدخلات مستقبلية مكلفة لاقتلاع الشبكات الإرهابية التي تشجعها سلطة الدولة. بينما ينشغل المجتمع الدولي بأمور أخرى، تشهد سوريا تحولاً هادئاً ولكنه جذري. المؤسسات الرسمية موجودة فقط للعرض. السلطة الحقيقية في أيدي رجال الدين الإسلاميين وقادة الميليشيات. هيكل النظام يشبه داعش، شكلاً ووظيفة.
- إسرائيل، على عكس العديد من المراقبين الغربيين، تُدرك حجم المخاطر. فقد اتخذت إجراءً مباشرًا لوقف مجزرة السويداء، مُجبرةً النظام السوري على الانسحاب. أما أحمد الشرع، فبدلًا من السعي لتهدئة الوضع، أشاد بالمهاجمين البدو وأجج نيران العنف الطائفي.
أفادت التقارير أن بعض المسؤولين الأمريكيين أعربوا عن قلقهم إزاء “إصبع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدائم على الزناد”. ولكن في ضوء ما حدث في السويداء، ربما لا يكون السؤال هو لماذا يتسرع نتنياهو في التصرف، بل لماذا يتباطأ الآخرون. في منطقة يمكن أن يؤدي فيها التطرف غير المنضبط إلى إبادة جماعية بين عشية وضحاها، فإن التردد ليس حكمة، بل تواطؤ.
يقع العبء الأخلاقي الآن على عاتق واشنطن. إن غض الطرف عما يحدث في سوريا مجددًا سيكون وصمة عار، ليس فقط على السياسة الخارجية الأمريكية، بل على ضمير العالم الحر.